2009/12/27

عمرو سارة الحادى عشر

الجـزء الحادي عشر ( قبل الأخير )
قالت ساره
:
استقرت حياتي أنا وعمر بعد الخطوبة الرسمية ، وشعرنا سوياً باستقرار نفسي كبير ، أصبح لكل منا شريك يستريح على شاطئه ويلقي على كتفه همومه .. أصبحت لا أخجل من وجود رجل في حياتي .. أكلمه على الملأ أمام أبي وأخوتي وأتحدث عن آراءه وأفكاره وأستشهد بها بدون خجل ، وهل يخجل المحامى عندما يستشهد بمواد القانون ؟.. وان كان الأمر لا يخلو من المشاحنات والخلافات البسيطة ، التي تزداد بعصبية عمر التي تشتعل سريعاً وتخبو سريعاً ، ولكني أخاف كثيراً من هذه العصبية والتسرع في رد الفعل الخاطئ له في أحيان كثيره .. ومما يزيد عصبيته عنادي الطفولي الذي هو من أبرز عيوبي للأسف .
*************
قال عمر
:
شعور جميل أن يكون لك صديق وحبيب في حياتك ، تتبادل معه الأخبار والأوجاع والضحكات ، أشعر أنني قبل معرفتي بـساره لم أكن موجودا في هذه الحياه ، أشعر معها وكأنني طفل صغير يعود سريعاً في نهاية يومه ليقص على أمه كل ما حدث له في يومه .. أحب ردودها التلقائية وضحكاتها البريئة وخوفها الطفولي عندما يرتفع صوتي في عصبية ، ولا أطيق غضبها مني وأبادر دوما بمصالحتها ، كم أحب وجودك معي يا ساره .
*****************
قالت ساره
:
لاحظت أن أكثر أوقات خلافنا أنا وعمر ، هي عند عودتي من عملي في الرابعة .. ولو اتصل بي ووجدني نائمة ، أو رددت عليه في تعب يختلق أي مشكلة تافهة ويغضب عليها ، هل يغار عمر من عملي ؟ أم من انشغالي عنه لمدة ساعات في اليوم ؟؟ رغم أني أحادثه من عملي تليفونياً ، وأصلاً عملي من الثامنة حتى الرابعة زي ناس كثيرين جداً ، أمّال لو كنت طبيبة وأبات في المستشفي كان عمل إيه ؟.. أكيد كان انتحر ، راودتني شكوك حول الموضوع ده واشتكيت لأمي فقالت لي : طبيعة الرجل دوماً أنانية ، لا يريد أن يشغلك عنه أحد أخر حتى لو كان عملك ونجاحك .. استحملي يا بنتي ولا تفتحي معه هذا الموضوع حتى يفتحه هو ، ولم أنتظر طويلاً حتى جاء يوم وكلمني في التليفون بعد عملي كالمعتاد ، وكنت حاموت وأنام ساعة فكنت أرد عليه سريعاً فلاحظ ذلك وقال لي مباشرةً :
ساره انتي الشغل ده مهم عندك أوي ؟
قلت : يعني إيه مهم يا عمر ؟.. هوّ يعني فستان أخده ولا اسيبه ؟.. ده شغلي ونجاحي .. وبعدين قصدك إيه ؟
رد عليّ بحدة : قصدي انك ياريت تسيبيه بعد الزواج وياريت من دلوقتي .
رددت عليه بذهول : بتقول إيه يا عمر ليه ده كله ؟ هوّ شغلي مضايقك في إيه بس ؟
قال عمر : أنا ما أحبش مراتي تشتغل وترجع البيت الساعة خمسة وتتبهدل في المواصلات .. علشان إيه ده كله ؟
قلت له في صوت عال بعض الشيء : طيّب ما قلتش ده ليه قبل الخطوبة ؟ واتقدمت ليّ ليه أصلاً وأنت عارف إني باشتغل ؟
فوجئ عمر من رد فعلي الهجومي وكأنه كان يتوقع الطاعة المطلقة : يعني لو كنت قلت لك ده قبل الخطوبة كنتي ما وافقتيش عليا ؟
رددت بعناد وبتسرع : طبعاً .
صمت عمر وتألم من ردي القاسي ولم يرد ، حاولت تهدئة الجو قبل أن تثور ثائرته وقلت له : يا عمر من فضلك افهمني .. ليه دايماً الرجل أول ما يشوف بنت وتعجبه ، يعجبه نشاطها ونجاحها في العمل وطموحها وثقافتها ويتقرب لها من الجانب ده .. ولمّا خلاص تصبح ملكه يسعى جاهداً أن يجعلها صورة من جدته لا تخرج ولا تعمل ولا تبدى أي آراء الا من خلاله ؟.. ثم بعد هذا يشتكى من تغيرها بعد الزواج .
رد عمر: أنا مش عاوز أخليكي زي جدتي ولا حاجه .. أنا بس مش عاوزك تشتغلي .. فيها حاجة دي ؟
فقلت أنا : كان مفروض تكون صريح معايا أول ما اتقابلنا وتقول لي الكلام ده وأنا اللي أقرر حياتي حاتكون ازاي معاك وإما أوافق أو ارفض .. لكن أنت كده بتضعني أمام الأمر الواقع .
رد بعصبية كبيرة : يعنى أنا خدعتك يا ساره ؟.. قصدك كده ؟
حاولت تهدئته فقلت له : يا سيدي ولا خدعتني ولا حاجة .. طب إنت إيه اللي مضايقك من شغلي ؟
قال : تقدري تقوليلي لما نتجوّز حاتراعى البيت ازاي وانتي بترجعي المغرب .. ولما نخلّف حاتسيبي البيبي فين الوقت ده كله ؟
رددت عليه : هوّ أنا أول إنسانه في الكون بتشتغل ؟.. أكيد كل دي حياة ملايين السيدات مش أنا بس ؟
قال بضيق : أهو أنا باتضايق من عنادك ده يا ساره .
استفزتني الكلمة فقلت :ده مش عند .. ده حق ليّ إني أكون ناجحه .. المفروض وجودنا في حياة بعض يخلّينا احنا الاتنين ناجحين ، مش واحد ينجح والتاني يكون مجرد ظل باهت للآخر وخلاص .
قال بعصبية : يعنى انتي مش عاوزه تسمعي كلامي ؟
رددت بعناد كبير : اسمع كلامك لما يكون فيه منطق .. لكن لما يكون تحكّم وخلاص وفرض رأي أنا آسفة .. مش حاقدر أسيب شغلي بدون مبررات كافية .
قال : ده أخر كلام عندك ؟
أحسست إن كلمته دي بداية مشكلة كبيرة ومع ذلك رددت بعناد كبير : أيوه .
وانتهت المناقشة بقوله : خلاص انتي اللي اخترتي يا ساره .
بعـد أيـّـام
قالت ساره
:
أول مرة نتخاصم أنا وعمر من يوم ما اتخطبنا .. اتخانقنا كتير لكن كنا بنتصالح سريعاً .. والحق يقال كان هو دائماً من يبادر بصلحي ، حتى لو كنت أنا المخطئة ، إحساس البعد سيء جداً .. شعرت إن أيام الخصام القصيرة مرت كأنها شهور طويلة ، لم يحادثني في التليفون ولم يرسل لي رسالة ولا حتى رنّة من الموبايل .. وأنا كرامتي منعتني أن أبدأ أنا بالحديث ، لماذا يضغط عليّ بهذا الأسلوب كي يرغمني على التنازل عن مستقبلي .. وهل هذا آخر تنازل أم أن سلسلة التنازلات لن تنتهي ؟ أنا لا أعرف وجه تصميمه على تركي العمل .. وهل وأنا تعديت الخامسة والعشرين آخذ مصروفي من أبي مثل الأطفال ؟.. ومتى انضج وأتعلم الاستقلالية إذن ؟.. في سن الستين ؟ يبدو أن الرجل يريد من زوجته أن تكون تابعاُ له بلا أي شخصية ، كده يا عمر هنت عليك ؟
*******************
قال عمر
:
كده يا ساره هنت عليكي ؟ لم تفكر أن تتصل بي ولا مرة حتى ولو من باب الاطمئنان عليّ ، أنا الذي عوّدتها على هذا الأسلوب .. في كل مرة نختلف أبادر أنا بمصالحتها حتى لو كانت هي المخطئة .. أنا بجد دلعتها كتير وممكن تظن إنها متحكمة فيّ بهذا الأسلوب أو إن شخصيتي ضعيفة ، لا أنا مش حاسأل عليها المرة دي مع إني حاتجنن وأسمع صوتها .. بس هيّ لازم تسمع كلامي وتطيعني بلا نقاش !!.. وبرضه مش حاتصل .
****************
قالت ساره
:
درجة حرارتي ارتفعت من الأنفلونزا ، واشعر بصداع رهيب ألزمني الفراش ، يبدو إن هذا مرض نفسي زي ما بيقولوا .. ووجدتها حجة مقنعة كي ابكي براحتي وأتحجج بالصداع ، لاحظت أمي إن عمر لا يتصل ولا يأتي منذ أسبوع ، فسألتني عن السبب فتحججت بحجج واهية ، فقالت لي : اسألي عنه انتي يا ساره .. الراجل بيحب دائماً إن يشعر باهتمام كبير مثل الطفل تماماً .. فرفضت بشدة .. ففهمتْ أن هناك مشكلة ولم تلح عليّ في معرفة الأسباب .. وخرجت من غرفتي وتركتني أنام ، وبعد قليل سمعت صوتها يتحدث في التليفون مع حماتي العزيزة وتجتهد أن تجعل الحديث عادياً جداً ، وختمته بخبر هام جداً من أجله كان كل هذا الاتصال وهو :" إن ساره عيانه جداً جداً ".. ونايمه يا عيني في السرير درجة حرارتها 60 ، تابعت الحديث وابتسمت من حنيّة أمي ورقّتها ، تريد أن تصالحنا أنا وعمر بدون أن تتطفل أو تتدخّل ، يا حبيبتي يا ماما ، بس لو عمر ما اتصلش برضه بعد ما يعرف انى تعبانه .. يبقى ..... معقول ؟.. معقول يا عمر ؟
**************
قال عمر
:
ساره تعبانه ؟.. يا حبيبتي يا ساره ؟ علشان كده ما اتصلتش بيا وأنا ظلمتها ، لازم أروح لها حالاً .. أهو المرض جه حجه كويسه علشان أروح بسبب مقنع أصلي خلاص بجد مش قادر على البعد والخصام الرهيب ده .
**************
قالت ساره
:
كده يا عمر ولا حتى رسالة ؟ قلتها لنفسي وأنا لا أنزل عيني من على الموبايل وكأنني أخاف لو أبعدت عيني عنه لن اسمعه لو رن ، منتظرة اتصال عمر الذي لا يأتي .. يبدو انه فعلاً قاسي ، ويرغمني بكل الطرق أن أتنازل عن كل شىء حتى يضغط عليّ وأنا مريضة ، لا يمكن أكلمه بعد اليوم .. ولا اعتقد إني سأكمل الخطوبة أصلاً .. بجد مش عاوزاه و .... صوت ماما يرن في أذني :
"عمر جه يا ساره ."

No comments: