2009/12/27

عمرو وسارة الثانى عشر

الجـزء الثاني عشر والأخير
قال عمر
:
نسيتُ كل خلافي مع ساره وزعلي منها عندما رأيتها وهي متعبة ، محمرة العينين مرهقة كأنها لم تنم من سنين .. وهتفت بها في قلق كبير أول ما رأيتها : ألف سلامة عليكي .. إن شا الله أنا وانتي لأ .
ردّت عليّ : بعد الشر عنك يا عمر أنا الحمد لله بخير .
همستُ بالكلمات في صوت خفيض : أول ما عرفت انك تعبانه جيت جري .. خلي بالك من نفسك يا ساره انتي دلوقتي مش بتاعتك لوحدك .. لا بتاعتي أنا كمان .
ساره : ........!؟
أنا : انتي زعلانه مني ؟
ساره : ........!؟
أنا : خلاص بقى حقك عليا .. أنا فعلا اخدت الموضوع بعصبية شوية بس أنا خايف عليكي مش اكتر .
ساره : كان ممكن نتناقش في الموضوع بهدوء ، ومن غير ما حد يفرض سيطرته ولا يحاول يلغي شخصية الطرف التاني .
أنا : طيب لو قلت لك علشان خاطري فكري في موضوع الشغل ده تاني .. تقولي إيه ؟
ساره : أقول خاطرك غالي عليّ جداً .. واني بالأسلوب ده فعلا ممكن أفكر في حل وسط .. مثلا إني بعد الزواج أدور على شغل مواعيده بدري عن كده .. في حضانة مثلاً .. علشان البيت والبيبي .. موافق ؟
أنا : موافق جداً .. و حانسميه إيه ؟
ساره : مين ؟
أنا : البيبي ؟
ساره : ........!؟
****************
قالت ساره
:
الأيام تمر سريعة جداً ، لا أصدق إن مر على خطوبتنا 4 أشهر أنا وعمر ، وخاصة عندما بدأنا في المأساة المسماة جهاز العروسه .. أو الشوار زي ما فيه ناس بيسموه .. وكلا الاسمين اسم على مسمى ، فسموه جهاز لأنه بيجهز على كل طاقتك المادية والجسدية والمعنوية .. والشوار لأنك بتدخلي في مشاورات وخناقات رهيبة بتنتهي غالباً بحروب ، لا أدري لماذا كل هذه التعقيدات التي يضعونها في طريق تجهيز عش الزوجية ؟!!.. وخاصة مستلزمات العروسة المسماة ظلماً وافتراءاً : الرفايع .. على اعتبار إنها أشياء بسيطة لا تذكر من رفعها !!.. وهي في الأصل تقايل مش رفايع ، بجد العروسة مطلوب منها جبال من الأشياء ، التي أكاد أجزم إن ربعها فقط الذي يستخدم في الواقع ، والباقي يرص فقط في النيش والدواليب لزوم المنظرة فقط ، الآن فقط عرفت لماذا كان أبي وأمي يصرّون أن أدّخر نصف مرتبي لجهازي ، قال وأنا كنت زعلانه .. ياريتهم ادخروه كله علشان المليون طلب اللي ورايا .
*************
قال عمر
:
يا بخت العروسة !!!.. إيه الظلم الرهيب اللي واقع على العريس ده ؟ مطلوب منه يشترى أو يؤجر شقة ، ويجهزها على الأقل 3 غرف ده غير الأجهزة الكهربائية والفرح والشبكة ... الخ الخ الخ .. ليه ده كله ؟ ما أنا كنت سلطان زماني .. والعروسة تجيب شوية رفايع وتقول إنها جهّزت ؟.. والله حرام ، ساره رفضت رفض تام أن نسكن مع أبي وأمي ، وبصراحة معاها حق .. كيف نشعر أنا وهي أن لنا مملكتنا المستقلة وعشّنا الدافيء ، لكن الشقق الإيجار الجديد إيجارها نااااااااااار ، والتمليك طبعاً من عاشر المستحيلات ، ربنا يستر ونلاقى شقة إيجارها معقول وتكون مناسبه ، الحمد لله إن ساره ما وافقتش على ترك الشغل ، كان زماننا كل أول شهر وافقين على باب الحسين أو السيده ، طبعا مفهوم بنعمل إيه .
******************
قالت ساره
:
إيه لزوم إن الواحد يجيب من كل حاجة نسختين .. واحد للاستعمال والتانيه منظرة ؟ يعنى طقم صيني للاستعمال ، وسرفيس ماركة غالية جداً يبقى محنط في النيش ؟!!.. ومعالق للاستعمال ، وأخرى في حقيبة دبلوماسية براقة سعرها فلكي .." هددتني أمي لو لمستها حاتبلغ عني البوليس "، وأغلب الظن إن الحاجات دي سأستعملها لما خطيب بنتي كمان 30 سنة ييجي يزورنا !!!.. ده غير ألف طقم مثل ، طقم للشربات ، وطقم للتورته ، وأخر للكاكاو ، وأخر للأيس كريم ، وأخر للخشاف .. مش عارفة خشاف إيه ده ؟ مش ممكن المنظره دي كلها .. ويقولوا البنات بيعنّسوا ليه ؟ أكيد من قائمة المتفجرات التي تنفجر في وجه أي اثنين بيفكروا مجرد تفكير في الارتباط الحلال .. رغم إن أمي أخبرتني ، إنها في زواجها كانت لا تملك أياً من الأجهزة الكهربائية غير البوتاجاز ، ومن عملها هي وأبي احضروا الغسالة العادية ، ثم الثلاجة ، ولم يفكروا في التليفزيون الا بعد سنين رغم إنهما هما الاثنين من عائلات محترمة ، ولكن كانت النظرة للزواج عملية و بسيطة ، ولا وجه للمقارنات الفارغة بين أي بيت والآخر ، وأنا رأيي عندما يبني الاثنين عشهما سيكون من المستحيل أن يفرّطوا فيه أبداً .. لكن الآن نرى حالات طلاق بعد شهور ، لأن العروسين وجدوا منزلاً جاهز من كل شىء ، حتى التكييف والدش ، ولم يتعبوا فيه لحظة ، فلماذا يتحملوا كي يظل هذا المنزل قائماً ؟؟
**************
قال عمر
:
ياااااسلااااااام ، معارض الموبيليا في مصر معمولة علشان العريس الّلي في الخمسين ربيعاً ، الحجرة الواحدة المعقولة محتاجه انى أوفر مرتبي لمدة عشر شهور متواصلة على الأقل بدون أكل ولا شرب ولو أمكن بدون ما أنام ، لا حل إذن الا أن ننفذ الحجرات عند نجار شاطر .. وبالطبع أبي هو من سيدفع .. طيب ومن أهله لا يستطيعون مساعدته كيف يتزوج ؟.. وكيف يقي نفسه من الوقوع في الخطأ وفي دائرة الحرام ؟ معادلة مستحيلة الحل وتزداد تعقيدا بطلبات الأهل المغالى فيها ، ورغم انى مهندس وخريج إحدى كليات القمة ، واعمل عشر ساعات يومياً ومع ذلك لا استطيع تزويج نفسي ، واضح إن زماننا هذا ليس لنا .
******************
قالت ساره
:
لا يمكن اشتري مفرش للسرير ليوم الزفاف ب 700 ج ، من أجل يوم واحد الناس يتفرجوا عليه وخلاص يترمي ، بجد ربنا يحاسبنا على هذا التبذير وحانُسأل عليه يوم القيامه ، ولأول مرة انتصر في معركتي مع أمي وأصررت على عدم شراؤه ، واستبداله بمفرش بسيط جداً بمائة وخمسين جنيه فقط ، ولم استجب لتهديدات أمي إن حماتي لن يفوتها هذا و..و..و ، فلتقل ما تريد .. هذا منزلي أنا وليس أي احد ، ولو تركت نفسي خائفة من تعليقات كل الناس لن أتزوج الا بعد أن ابلغ من العمر أرذله !!.. وبرضه لن أرضي أحد ، قارنت بين مجلة نسائية قديمة اشتريتها من سور الأزبكيه ، يرجع تاريخها لأواخر الستينات زمن تحقيق الأحلام وبين مجلة حديثة نسائية برضه .. وجدت في القديمة باب كامل اسمه المنزل السعيد ، وكله أفكار عمليه رائعه عن فرش المنزل وتجميله بأبسط التكاليف ، وكيفيه الاستغناء عن أشياء كثيره لا لزوم لها .. وبجد الصور في غاية الرقه والعمليه والبساطه .. والمجله الحديثه تتحدث عن الفورفورجيه في غرفة النوم ، وكيفية تلميع الباركيه ، ومزايا التكييف السبليت عن الشباك في منزل العروسين ، يبدو إنهم يتحدثون عن عرائس من القمر وعرسان من المريخ .
***************
يـوم الـزفـاف
وأخيراً جاء اليوم المنتظر ، اليوم الذي تتوقف فيه عقارب الساعة وتبدأ دورة جديدة غامضة ، اليوم الذي تصمت فيه الكلمات وتتحدث القلوب وتتوحد ، اليوم الذي يشهد فيه الله " وهو خير شاهداً " على ارتباط شابين رباطاً وثيقاً وميثاقاً غليظاً كما أسماه القرآن الكريم ، يوم الزفاف ، كل ما كان محرماً يصبح حلالاً بكلمة الله ، كل ما كان مجهولاً غامضاً يصبح سهل المنال ، يوم تتغير وجوه الأحبة ونفارق وجوهاً عاشرناها سنوات طوال ونعشق وجوهاً أخرى ، ونسكن منازل جديدة غامضة لا نعرف ماذا ينتظرنا بها السعادة ام الشقاء ، الفتاة التي طالما خجلت من وجود أخيها أو أبيها معها في منزلها ، تصبح زوجة وأنثى مكتملة الأنوثة لها رجل لا تخجل معه من شيء ، تشاركه أفراحه ، وأحزانه ، وكلماته ، وغضبه ، وحنانه ، ومشاعره ، وتهدهده كطفلها البكر وتربت على كتفه إذا غضب ويلقي على صدرها كل همومه وأسراره ، ومع هذه الأسرار والأحلام ينمو البيت الصغير وتكبر جدرانه وتمتد جذوره في ارض الواقع ، ليصبح هذا البيت القلعة الحصينة ، التي يرفض الزوجان المساس بها من أي غريب .. ويصبح البيت الجديد أحب مكان على الأرض يأوي الحبيبين .
أفكار كثيرة تدور اليوم في عقل العروسين " ساره وعمر " بلا تفرقة اليوم لأنهما أصبحا كياناً واحداً .
ساره جالسة تضيء جمالاً بفستانها الأبيض الملائكي ، الذي يحمل كل أسرار العذارى وغموض الأنثى ودلالها .
وعمر المكتمل الأناقة في بدلته السوداء ، والذي يشعر باكتمال رجولته لأنه أخيراً سيكتمل وجوده في هذا العالم ، باقترانه بنصف روحه وأنثى حياته ساره .
وقلوب الجميع خاشعة من فرط السعادة ، والدعاء لله أن يكلل هذا الارتباط ببركته ورضاه سبحانه وتعالى .
وأذان الجميع متعلقة بشفاة " المأذون " الذي يتلو آيات المودة والرحمة ويقول خطبة الزواج ويتوقف عند آية : " وأخذنا منكم ميثاقاً غليظاً " .. ليوصي بها عمر أن الرجل يأخذ زوجته أميرة من منزل أهلها ، ويعقد معهم ميثاقاً غليظاً بألا يجعلها أسيرة في منزله .. فلا ينسى هذا العهد أبداً ويوصيه بأخلاق الرسول مع زوجاته ، ثم يوصي ساره أن تجعل زوجها قرّة عينها ، ووطنها الذي لا ترضى عنه بديلاً ، وتلمع العيون سعادة وخشوعاً عندما يعلن المأذون إنهما الآن زوجين أمام الله وأمام العالم ، وتبكي ساره فيقترب منها عمر ويلمس يدها لأول مرّة ويقبّلها ويوعدها ألا تبكي ابداً مادام هو حياً على هذه الأرض ، فتبتسم وترتعش من لمسة يد زوجها الحبيب وتقول : "فلنعقد الآن قراننا بنفسنا" .. وتهمس له : زوّجتك نفسي على سنة الله ورسوله وعلى الصداق المسمّى بيننا ، فيهمس لها : وأنا قبلت زواجك يا زوجتي ، وحبيبتي وسكني وداري وجنّتي ... وقرّة قلبي .
********************

No comments: