2009/11/23

لا «تشيطنوا» كل الجزائريين

الإعلام المصرى خصوصا ــ الرسمى ــ قال عن الفلسطينيين ما لم يقله مالك فى الخمر، وألصق بهم كل التهم الصحيحة والكاذبة فى كل مرة يختلفون فيها مع الحكومة المصرية.
نفس الأمر فعله ــ الإعلام ذاته ــ مع سوريا ورئيسها، وقبل ذلك مع ليبيا، ومع كل دولة اختلفت مع الحكومة المصرية، والآن يتكرر الأمر ذاته مع الجزائر، لكن بصورة أبشع، لأنه بدأ يلامس ما يمكن تسميته بالثوابت، وصرنا جميعا ننجرف إلى مجهول.
ويروى أن الراحل ياسر عرفات همس فى أذن رئيس تحرير صحيفة حكومية مصرية سابق قائلا له: «يمكنك أن تهاجمنى كما تريد، ويمكنك أن تختلف مع بعض الفلسطينيين، لكن لا تهاجمهم جميعا كشعب، ولا توغل فى الهجوم، لأن مقتضيات السياسة تجعلنا أنا وحكومتك نتصالح بعد الخصام، وستضطر أن تصافحنى، وتبتسم لى عندما يفعل رئيسك أو وزيرك ذلك».
هذا الدرس العرفاتى البليغ لرئيس التحرير المصرى، لم يثمر شيئا، ويبدو أنه لن يثمر طالما استمرت عملية إعادة إنتاج الأزمات وردود الفعل عليها كما هى.
مرة أخرى الجزائريون أخطأوا، وارتكبوا حماقات وجرائم وخطايا ونحن ارتكبنا أخطاء أيضا، وعلينا أن نعترف بذلك، وحتى إذا كنا أبرياء تماما، فلا يمكن السكوت عن الحشد المنظم على طريقة القطيع، التى لا ترضى بديلا عن «محو الجزائر وشعبها من الوجود كثمن وحيد لاسترجاع الكرامة الوطنية المصرية السليبة»، نحن لا ندرك أن هناك قوى كثيرة «تلعب» فى الملف، وتصب عليه كل يوم المزيد من الزيت والجاز غير النظيف.
وإلى كل المواطنين الأبرياء، والسذج، وإلى كل الإعلاميين: انتقدوا كما تشاءون، لكن لا يمكن أن «نشيطن» كل الجزائريين، أو نحرق علمهم أو نخرجهم من الملة والدين، وإلا فإننا نعطيهم نفس الحق أن يفعلوا مثلما نفعل.
لا يوجد شعب فى العالم أجمع كله سيئ، أو كله طيب، حتى الإسرائيليين ــ هناك قلة منهم جيدة، ترفض العدوان، كيف يمكننا أن نهاجم مثلا نعوم تشومسكى أو أمنون شاحاك أو عميرة هاس، أو كل الذين رفضوا العقيدة الصهيونية، وانحازوا إلى الفلسطينيين، وتركوا فلسطين المحتلة.
تشرفت وما زلت بمعرفة أصدقاء جزائريين من محمد دحو فى بداية التسعينيات إلى ليلى نبت هدنة هذه الأيام.. وجدت فيهم الجدعنة والصراحة والشهامة والعروبة، بجانب العصبية والدم الساخن بالطبع.
أما الزملاء الإعلاميون المصريون غير الأبرياء ــ الذين امتطوا صهوة الوطنية فجأة ــ فكل ما نطلبه منهم أن يستمروا فى العزف على نفس الأسطوانة، ويؤيدوا الزحف المقدس للجماهير الغاضبة عندما يتعرض المصريون فى أى دولة خليجية للإهانة.
قد يحرج ذلك الكثير ــ إعلاميين وسياسيين ــ ولذلك سنخفف الاقتراح، وهو أن يستمروا فى نفس الحماس الوطنى عندما يقتل الغزاة الصهاينة أحد جنودنا المصريين، وليس الفلسطينيين، فالعروبة هذه الأيام صارت موضة قديمة، ومدعاة للسخرية كما فعل نجل الرئيس مبارك.

No comments: